16 - 08 - 2024

تعا اشرب شاي| المراجيح أثناء صلاة التراويح!

تعا اشرب شاي| المراجيح أثناء صلاة التراويح!

أستطيع أن أدعى بكل ثقة أننى "عيلة" ولست عيلة طبيعية بل عيلة جدا ، ولو خيرت أن أصاحب أحدا لإخترت أن أصاحب العيال، ومع ذلك فهناك حالات أفر منهم فيها فرارى من الأسد ومن أبرز هذه الحالات ، أثناء أداء صلاة التراويح فى المسجد.

ذات يوم كان الجو شديد الحرارة فرأيت أن أصلى فى ساحة المسجد بعيدا عن الزحام.

ما أن بدأ الإمام يجهر بتكبيرة الإحرام، وتراصت السيدات إستعدادا لأداء الصلاة حتى بدأ حفل "المجعرة الجماعية"، كالعادة أخذ الأطفال الرضع يصرخون معلنين الإحتجاج، قامت بعض الأمهات بحملهم رغم المشقة التى تكبدنها رحمة بالصغار وإجتنابا للوم والتقريع من الأخريات، أما أولئك الذين شبوا عن الطوق ، فحدث ولا حرج .

تسلق بعضهم سور الدرج المؤدى إلى المسجد من أعلى ليتزلج عليه فإذا به يهوى على أم رأس إحدى الساجدات ثم يعاود التسلق بعد أن قامت السيدة ليقع هذه المرة على أم رأسه هو شخصيا ، وقبل أن يفيق من الإرتجاج الذى أصابه إثر الصدمة ، كان طفل آخر قد تزلج السور فى الطريق إليه، فإذا به يقع فوقه ليرتطم ثانية على أم رأسه ، فى الوقت نفسه تطوعت إحدى الصغيرات بتبديل حقائب السيدات ولا أدرى على أى أساس كانت تجرى عملية التبديل؟ كنت على وشك الإنفجار خاصة أن الحقيبة التى إختارتها لى بدلا من حقيبتى - التى لم أعرف فى تلك اللحظة أين وضعتها - آآ حقيبة غير ملائمة للون ملابسى بالإضافة إلى أنها ليست "ماركة" مما زاد حنقى عليها وأخذت أتساءل فى نفسى: هى البنت دى بتعمل كدة ليه يا كابتن مدحت!! 

فجأة شعرت أن فأرا قد تسلل إلى داخل عباءتى ، كاد قلبى يقفز من الفزع ، غير أنى سمعت صوت إحدى الصغيرات تصرخ بملل : إنت فين يا مصعب؟

فجاء صوت الصغير من داخل العباءة: أنا مش هنا يا جويرية.

أردت أن أتناسى الأمر وأنتبه للصلاة، إلا أن الصغير لم يتح لى الفرصة، فقد كان لا يكف عن الحركة وزاد صراخ الطفلة : إنت فين يا مصعب؟آآ  كنت على وشك أن أجيب الصغيرة: مصعب لازق فى جيب البنطلون الشمال يا جويرية وحاقتله، إسألى ماما كدة ، الجثة لازماكم فى حاجة؟

أخيرا سلم الإمام وإنتهى من آداء أول ركعتين فى الصلاة، وكأن السيدات كن يتحرقن شوقا لتلك اللحظة ، فقد وقعت معركة حامية الوطيس بين الطرفين، أمهات الصغار والأخريات ، لممت سجادة الصلاة وحملتها على كتفى، وإستعنت بالله لدخول المسجد لإستكمال الصلاة بعيدا عن تلك المشاحنات ، فإذا بإحدى الأمهات تستوقفنى و تطلب منى الشهادة: بذمتك عيالى ضايقوكى يا مدام ؟ 

تفرست فى وجهها فرأيت نظرة التنمر فى عينيها ولأنى اؤمن بنظرية شديدة العمق لأرسطو تنص على (إن جاتلك غصب، عديها جمايل) إبتلعت ريقى بصعوبة وأنا أجيب: عيال مين يا مدام! دول ملايكة، يا أوحى عليهم يا أوحى .

قلت ذلك وانا ألهث خلف صبى شارد يحمل حقيبتى: هات ياض الشنطة احسن وربنا حابطحك.

لم يختلف الوضع بالداخل كثيرا عن الخارج ، بل زادت عليه حرارة الجو الذى لم يفلح تكييف الهواء فى التخفيف منها بسبب الزحام الشديد.

فى يوم آخر وصلت إلى المسجد بعد إقامة الصلاة، وإكتشفت أننى نسيت سجادة الصلاة الخاصة بى ، وجدت سيدة وأمامها تجلس طفلتها الصغيرة وأخوها الأصغر، وبالرغم من تجاربى السابقة معهم، إلا أن الصغيرة كانت غاية فى الوداعة والهدوء، ضمتنى السيدة مشكورة كى أشاركها السجود على "المصلة" الخاصة بها ، إنقضت من الصلاة أكثر من عشر ركعات والصغيرة مازالت محافظة على إتزانها، تسرح خلف أخيها لتعيده كلما ابتعد بصبر ومثابرة تحسد عليهما ، ثم بدأت تتململ وتنظر إلى أمها وتحاول الإقتراب منها لتخبرها بشئ ما، بينما تشير الأم إليها كى ترجع، وفجأة رفعت الصغيرة تنورتها وجلست القرفصاء ، فخرجت الأم من الصلاة وهى فى غاية الفزع ولكن بعد فوات الأوان ، بينما تراجعت أنا للخلف ولسان حالى يقول: وادى "المصلة" بتاعتكو أهى .

كلما إقتربنا من الشهر الفضيل ، ثارت تلك المشكلة ، تصر الأمهات الصغيرات على حقهن فى أداء الصلاة فى المسجد ويستشهدن بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" والكثيرات منهن يرون أن إصطحاب الأطفال ضرورة كى يعتادوا صلاة الجماعة وإرتياد المساجد ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلى فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره.

بينما المعترضات يرون أنهن بذلك يظلمن أنفسهن وغيرهن بل ويظلمن الأطفال أيضا ويستشهدن بحديث آخر "أفضل صلاة المراة فى بيتها".

وجهة نظرى المتواضعة فى الموضوع، أن القاعدة الفقهية تقول "لا ضرر و لا ضرار"، والرسول لم يصل بالمسلمين صلاة التراويح إلا أربع ليال ولم يكررها خشية أن يظنها المسلمون فريضة، إذن صلاته مع الصغيرين لم تكن تقترب من الساعتين كصلاة التراويح .

فى بعض البلاد الإسلامية بل وغير الإسلامية ايضا، يخصص للأطفال مكان بعيدا عن الامهات يمارسون فيه بعض الطقوس الدينية أو الهوايات المفيدة مع مشرفة متخصصة ، فإن لم يتوفر فى المسجد ركن خاص بهم،آآ  فمن الممكن أن تنسق كل أم مع جاراتها بحيث تجالس إحداهن أطفال الجميع يوما، ثم تتولى اخرى المهمة وهكذا، أو تصلى فى بيتها ويصلى خلفها الصغار، ولن أستطيع أن اصف سعادة الطفل الكبير نسبيا إذا طلبت منه أمه أن يؤمها فى الصلاة، خاصة إذا بدت منقادة له وسعيدة بآدائه مصححة له فى الوقت نفسه أخطاءه بهدوء . 

كل عام وحضراتكم بخير ، اللهم بلغنا رمضان واجعلنا من عتقائه.

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف